خديعة شيفرة دافنشي



ترجمة: تمام التلاوي


مقدمة المترجم:
أورد فيما يلي ترجمة للردّ الذي قامت به مؤسسة أوبوس داي الكاثوليكية على ما ورد حولها في رواية شيفرة دافنشي. وهذا بالطبع ليس لقناعتي بكذب داون بروان -مؤلف الرواية- ولا بصدق ما تقوله أوبوس داي عن نفسها, وإنما من أجل تبيان وجهة النظر الأخرى الواقفة بدروعها على الضفة المقابلة, ولجعل القارئ هو الحكم الأول والأخير بين الفن والدين -إن صح التعبير- وذلك في مناظرة أقل ما نستطيع قوله عنها بأنها غير متكافئة أصلا, وذلك من حيث اعتبار الدين لنفسه أنه هو المجيب الشافي على كل أسئلة الوجود الإنساني, في الوقت الذي يقوم فيه الفن بالمقابل, بطرح الأسئلة الوجودية وبلا هوادة, في رحلة إبداعية متحولة, لطالما خلخلت أركان الثوابت الدينية على مر العصور, وذلك رغبة منه -أي الفن- في اختراق الوجود إلى ما وراءه, والحياة إلى ما بعدها.
ملايين النسخ وبكل اللغات. إن الرواج العظيم لهذه الرواية أيها السادة لم يتأتَّ –برأيي الشخصي- من قيمتها الأدبية, بل أقول بجرأة أيضا إن هذه الرواية أدبيا هي رواية ضعيفة, وذلك من حيث امتلاكها لعناصر السرد الروائي الجمالية وخصوصا على صعيد اللغة, وهي بالعموم ليست أكثر من رواية بوليسية تعتمد عنصر التشويق في سرد الأحداث المتلاحقة, وهذا العنصر هو أقل ما يلزم توفره من عناصر السرد الروائي البوليسي. ولكن الرواية قد اكتسبت هذا الرواج، بما امتلكته من القيمة المعلوماتية والتنظيرية، كونها حاولت دكّ حصون المعتقدات المسيحية بأدوات هذا الدين نفسه, مسخرة مرجعياته الخاصة التاريخية والفنية والدينية, وكاشفة النقاب عن معلومات مجهولة من قبل الكثيرين, بالإضافة لطرحها لفرضيات مثيرة للجدل. ففي الوقت الذي يعلق فيه الكثير من المسيحيين (المؤمنين) لوحات دافنشي باعتبارها لوحات دينية (العشاء الأخير, عذراء الصخور...الخ), في بيوتهم وكنائسهم, هاهم يكتشفون فجأةً أن هذه اللوحات تحوي من الإلحاد أكثر بكثير مما تحويه من الدين, بل إنها تعتمد رموزاً إيمانيةً تابعةً لفكر ديني آخر -دين الأنثى- المناقض بشدة للفكر المسيحي (كمفهومه للكأس المقدسة, وعلاقة المسيح بالمجدلية).
إنها (صدمة الخديعة)، هذه برأيي ما وضعت هذه الرواية على رأس قائمة المبيعات مؤخراً (The best seller). ولكن الكثيرين ربما نسوا أن هذه الرواية
في النهاية هي رواية لا أكثر, ولا يمكن اعتماد أي شيء يرد فيها على انه حقيقة علمية, وهذه إحدى نقاط القوة الواردة في رد أوبوس داي على كل هذا الضجيج الذي أحدثته شيفرة دافنشي.
وإليكم النص:
شيفرة دافنشي والكنيسة الكاثوليكية وأوبوس داي
رداً على شيفرة دافنشي من أسقفية أوبوس داي في الولايات المتحدة:
لقد خدع العديد من القراء بالإدعاءات التي وردت في رواية شيفرة دافنشي حول التاريخ المسيحي وعقيدته اللاهوتية. نود أن نذكر هؤلاء أن شيفرة دافنشي هي عمل إبداعي قائم على الخيال وليس مصدراً محققاً للمعلومات حول هذه المسائل.
لقد أثار هذا الكتاب اهتماماً واسعاً حول نشوء الإنجيل والتعاليم المسيحية الأساسية كألوهية يسوع المسيح. هذه المواضيع مهمة وتستحق الدراسة ولكننا نأمل من القراء المهتمين أن يتحفزوا لدراسة هذه المواضيع من بعض المصادر المتوفرة والموثوق بها في أقسام الكتب (الغير خيالية) في المكتبات.
إن القراء اللذين يقومون بأبحاث جدية وأحكام نقدية في ممارساتهم سيكتشفون أن الفرضيات الموجودة في شيفرة دافنشي, حول يسوع المسيح ومريم المجدلية وتاريخ الكنسية, يعوزها الدعم من قبل المصادر العلمية الموثوقة. فمثلاً أشاع الكتاب فكرة أن الإمبراطور الروماني في القرن الرابع قسطنطين قد ابتدع فكرة إلوهية المسيح وذلك لأسباب سياسية. لكن الأدلة التاريخية أظهرت بوضوح في العهد الجديد ولوائح الكتابات المسيحية الأولى المبكرة إيمان المسيحية بإلوهية المسيح. بالإمكان الحصول على أمثلة أخرى على الإدعاءات الكاذبة الواردة في شيفرة دافنشي في مجلة (كرايسسز) أو على شبكة الإنترنيت. وبالنسبة للقراء اللذين يبذرون الوقت للكشف عن مرجعية المقالات في شيفرة دافنشي فإننا ننصحهم بقراءة كتاب (نقض شيفرة دافنشي) للكاتبة (آمي ولبورن) أو كتاب (خدعة دافنشي) للكاتبين (كارل أولسن و ساندرا ميسل) .
كما أننا أيضا نريد أن نوضح أن تصوير شيفرة دافنشي لأوبوس داي هو تصوير غير دقيق, سواء في الانطباع العام أوفي العديد من التفاصيل, ونحن غير مسؤولين عن أي رأي بأوبوس داي يرتكز على قراءة شيفرة دافنشي.
لأولئك المهتمين بمعلومات إضافية عن الأخطاء العديدة الواردة في الرواية بحق اوبوس داي, الرجاء متابعة القراءة..
1. أوبوس داي والرهبان
لقد قدمت رواية شيفرة دافنشي وعلى امتدادها أعضاء أوبوس داي على أنهم رهبان, بل وأكثر من ذلك: كاريكاتورات رهبانية.
إن أعضاء أوبوس داي, ككل الكاثوليكيين, يقدرون الرهبان تقديرا عظيما, ولكن في الحقيقة لا يوجد رهبان في أوبوس داي. إنها مؤسسة كاثوليكية للناس العاديين والقساوسة وليست أخوية رهبانية.
إن أوبوس داي تتوخى حياة الفضيلة ولكنها لا تتضمن الانعزال عن العالم كتلك التي في الحياة الرهبانية. بل إن أوبوس داي تعلم الناس كيفية إقامة علاقة متينة مع الخالق في ومن خلال نشاطاتهم العلمانية الحياتية العادية.
إن عددا محدودا يشكل الأقلية من أعضاء أوبوس داي قد حملوا على عاتقهم مختارين مهمة التبتل أو العزوبية وذلك رغبة منهم للتفرغ من أجل تنظيم نشاطات أوبوس داي. ولكنهم مع ذلك لا يقدمون النذور ولا يرتدون التنانير ولا ينامون على حصر من القش, أو يقضون كل أوقاتهم في الصلاة والتعذيب الجسدي, ولا في أي طريقة من تلك التي صورتها الرواية عن رهبان أوبوس داي. وبالمقابل لأولئك المترهبين فإن هناك العديدين يمارسون أعمالا حرفية عادية.
في الواقع إن شيفرة دافنشي قد قلبت طبيعة أوبوس داي رأسا على عقب. فالتعاليم الرهبانية هي لأولئك الأشخاص الذين يقومون بمهمة البحث عن التطهر بالانعزال عن الحياة العامة, فيما أوبوس داي هي للناس الذين لديهم الكفاءة ليعيشوا بإيمانهم المسيحي في قلب المجتمع العلماني.
2. أوبوس داي والجريمة
لقد أظهرت شيفرة دافنشي, بشكل كاذب, أعضاء أوبوس داي على أنهم يرتكبون الجرائم, يكذبون, يخدرون الآخرين, وبالرغم من تصرفاتهم الغير أخلاقية هذه إلا أنهم يعتبرونها مبررة مادامت في سبيل الله والكنيسة وأوبوس داي.
إن أوبوس داي هي مؤسسة كاثوليكية ملتزمة بالمذهب الكاثوليكي الذي يدين بشكل واضح السلوكيات الغير أخلاقية بما تشمله من الجريمة والكذب والسرقة وإيذاء الآخرين بشكل عام. والكنيسة الكاثوليكية تحرم قيام الشخص بعمل سيء حتى ولو كان غرضه حميدا.
مهمة أوبوس داي هي أن تساعد الناس على دمج إيمانهم بنشاطهم اليومي وكذلك التثقيف الروحي ومساعدة الأعضاء بالمشورة ليصبحوا أكثر مثالية. أعضاء أوبوس داي ككل الناس يرتكبون الأخطاء أحيانا, ولكن هذا لا يعطي الصورة الحقيقية لما تحض عليه أبوس داي ولا يظهره.
بالإضافة إلى نسب النشاطات الإجرامية إلى أوبوس داي فإن شفرة دافنشي قد صورت, وبشكل خاطئ أيضا, أعضاء أوبوس داي على أنهم يسعون للحصول على الثروة والنفوذ.
3. أوبوس داي والتعذيب الجسدي:
إن شيفرة دافنشي قد جعلت الأمر يبدو وكأنه أعضاء أوبوس داي يمارسون تعذيبا جسديا ذاتيا بشكل دموي (ص12, 14, 29, 31, 73, 89, 127-128, 195, 276-279, 293). في الحقيقة وبالرغم من أن التاريخ يشير إلى أن بعض القديسين الكاثوليكيين فعلو ذلك, إلا أن أعضاء أوبوس داي لا يفعلونه.
تنصح الكنيسة الكاثوليكية بأن يمارس الإنسان التعذيب الذاتي. ويبين سر ألام المسيح أن للتضحيات الطوعية قيمة عالية وتجلب فوائد روحية للآخرين. كما أنها بالمقابل تجلب فوائد روحية شخصية, حيث تمكن الشخص من مقاومة النزوع أو الميل إلى ارتكاب الخطيئة.
لهذه الأسباب اهتمت الكنيسة بالصيام في أيام معينة, وأوصت بالالتزام بالفضائل باعتبارها أنواع أخرى أيضا من التعذيب الذاتي. إن التعذيب الذاتي بلا شك هو أحد أشكال التقرب إلى الله في حياة المسيحي ولا أحد يستطيع التقرب إليه بدونها. (ليس هناك من قداسة بلا نكران للذات وبدون معركة روحية): تعاليم الكنيسة الكاثوليكية رقم 2015.
وفيما يخص التعذيب الجسدي فان أوبوس داي تشدد على التضحيات الصغيرة أكثر من تلك فوق العادية, مع المحافظة على روحانيتها بدمج الإيمان بالأعمال اليومية. فمثلا أعضاء أوبوس داي يحاولون عمل تضحيات صغيرة, كالمواظبة على أدائهم في العمل عندما يتعبون, وأحيانا رفض بعض المتع الصغيرة, أو مد يد المساعدة للمحتاجين. وبعض أعضاء أوبوس داي يقومون باستعمال محدود للسياط وأدوات تأديب النفس. كأنماط من التعذيب النفسي الذي له مكانته في التقاليد الكاثوليكية نظرا لبعدها الرمزي بالنسبة لآلام المسيح.
إن الكنيسة تحض الناس على الرعاية الواعية لأجسادهم وصحتهم, وإن أي شخص لديه الخبرة بهذه الأشياء, يعلم أن هذه الممارسات لا تؤذي الصحة بأي حال من الأحوال. إن وصف شيفرة دافنشي لاستخدام السياط والتأديب النفسي مبالغ فيه بشكل كبير إنه ببساطة من غير المعقول أن يؤذي الشخص نفسه بها كما تم وصفه.
4. أوبوس داي ومزاعم (النِّحلة):
لقد وصفت شفرة دافنشي أوبوس داي في عدة مواقع بصفة نِحلة أو فرقة ( ص 1, 29, 30, 40, 279). في الحقيقة إن أوبوس داي هي جزء لا يتجزأ من الكنيسة الكاثوليكية, وليس لها أي ممارسات أو تفرعات عدا تلك الخاصة بالكنيسة. ليس هناك أي تعريف أو نظرية سواء كانت أكاديمية أو شعبية يمكن لها أن تقدم أسسا لوصفها أوبوس داي بذلك المصطلح الازدرائي: نحلة أو فرقة.
إن أوبوس داي هي مؤسسة كاثوليكية تتوخى مساعدة الناس لكي يدمجوا أيمانهم بنشاطاتهم اليومية. وهي كسلطة أسقفية خاصة (حسب البنية التنظيمية للكنيسة الكاثوليكية) فإنها تتمة لعمل الأبرشية الكاثوليكية المحلية وذلك عن طريق تزويد الناس بالمزيد من التثقيف الروحي والهداية.
أسست أوبوس داي في اسبانيا عام 1928م بواسطة القس الكاثوليكي سان جوزي ماريا إسكريفا وبدأت تزدهر بدعم من المطران المحلي هناك. كما تلقت المصادقة النهائية عليها من الفاتيكان عام 1950م, وبدأت بالانتشار في عدة دول حول العالم. اليوم لدى اوبوس داي أعضاء يبلغون 83000, (3000منهم في الولايات المتحدة), و2000 قس. كما إن عدة ملايين من الناس حول العالم يشاركون في برامجها ونشاطاتها المتواجدة في أكثر من 60 دولة.
شيفرة دافنشي تجزم بشكل مثير للشجن أن أوبوس داي متورطة في عمليات غسيل دماغ وإكراه وتجنيد قسري (ص 1, 29, 325, 415), محاولة وبشكل غير عادل أن تماثل أوبوس داي بجماعات أخرى تستحق مثل هذه الصفات.
إن غرض أوبوس داي هو أن يهب الناس حياتهم لله, متبعين طريقة خاصة من الخدمة من خلال الكنيسة الكاثوليكية. إن حياة الإنسان هي فقط التي باستطاعتها أن تعطى بحرية من خلال اتخاذ قرار نابع من القلب وليس من خلال إكراه خارجي, فالإكراه طريقة خاطئة وغير فعالة. أوبوس داي تحترم دائما الحرية والوعي لدى أعضائها, ولدى من هم مرشحون لأن يصبحوا أعضاء, ولدى أي شخص آخر يتعامل معها. ولإظهار مدى اعتقادها بأهمية الحرية, فان اوبوس داي لديها إجراءات نوعية تضمن أن قرار الانضمام إليها هو قرار حر وعن وعي كامل. لا احد يحصل على عضوية دائمة في اوبوس داي دون أن يقضي أكثر من 6 سنوات في البنية التنظيمية والتثقيفية التي يتبع لها الأعضاء. كما أن لا أحد باستطاعته الحصول على انتساب مؤقت قبل عمر 18 ولا على عضوية دائمة قبل عمر 23.
5. أوبوس داي والنساء:
هم أنهم يعتبرونها مبررة مادام ذلك في أنهم يعتبرونها مبررة مادام ذأااااأنهأتقول الرواية حول المركز الرئيسي لأوبوس داي في الولايات المتحدة: إن الرجال يدخلون البناء من الأبواب الرئيسية في جادة ليكسنغتون أفينو بينما تدخل النساء من الشارع الفرعي (ص 28). إن هذا الكلام غير دقيق. إن جميع الأشخاص ذكورا كانوا أم إناثا يستخدمون الأبواب التي تقودهم إلى القسم الذي يزورونه في المبنى. فالبناء مقسم إلى أقسام منفصلة, ولسبب مباشر هو أن قسما يمثل مكان إقامة النساء العازبات, وقسم آخر للرجال العازبين. لكن هذه الأقسام ليست مقيدة بالجنس, وإن قسم النساء -وليس الرجال- هو المطل على ليكسنغتون أفينو, وهذا عكس ما قيل في الكتاب.(ملاحظة: الكتاب أحيانا يسمي مبنى أوبوس داي تسمية غير دقيقة " مركز القيادة العالمي").
كما تفترض الرواية أن النساء الأعضاء في أوبوس داي يجبرن على تنظيف أماكن إقامة الرجال وبدون مقابل مادي, وأنهن يُعتبَرن كذلك طبقة أدنى من الرجال (ص 41, 415, 416). هذا غير صحيح, أوبوس داي هي مثل الكنيسة عامة تعلم أن الرجال والنساء لهم نفس الاحترام والقيمة, وإن كل ممارساتها تتماشى مع هذا المعتقد. النساء الأعضاء في أوبوس داي يتواجدن في كل المهن سواء تلك التي ينظر إليها المجتمع بتقدير وهيبة أو تلك التي يميل لعدم تقديرها كالأعمال المنزلية أو الأشغال الصغيرة. إن اوبوس داي تعلّم أن كل الأعمال الشريفة التي تعمل في سبيل الرب لها قيمة متساوية.
إن نساءً معدودات من أعضاء اوبوس داي اخترن إراديا أن يقمن بمهمة العناية بمراكز اوبوس داي للرجال والنساء. كما أنهن يشاركن بمراكز اجتماعات حيث تعقد النشاطات الروحية والثقافية. هؤلاء النسوة مدربات حرفيا ويدفع لهن مقابل خدماتهن, التي تشمل أيضا ترتيب الديكور الداخلي وتقديم الطعام وأعمال أخرى عالية المهارة. ملايين الأشخاص الذين يحضرون الاجتماعات والنشاطات الروحية في مراكز اوبوس داي يشهدون على حِرَفية هذه الأعمال, فيما ألمحت شيفرة دافنشي إلى أن أعمالها تنتقص من الكرامة والاحترام وتحط من قدر هؤلاء النسوة.
6. أوبوس داي وبنك الفاتيكان:
تقول شيفرة دافنشي إن اوبوس داي قد مُنحت منزلة الأسقفية الخاصة بها كمكافأة لها على وديعة حولتها إلى بنك الفاتيكان (ص 40-41, 415-416). لا اوبوس داي ولا أي من أعضاءها ساعد بنك الفاتيكان (بوديعة).كما تفترض الرواية لقد منحت سلطة الكنيسة لابوس داي السلطة الأسقفية عام 1982م لأنها أدركت أن هذه الفئة القانونية الجديدة قد امتلكت لياقة جيدة وبنية جيدة للقيام بمهمة اوبوس داي.
وعلى كل حال فان منزلة الأسقفية الخاصة ليست شيئا مميزا: إنها ببساطة واحدة من عدة فئات قانونية التي تمتلكها الكنيسة تخص بها مؤسسة تحمل على عاتقها نشاطات رعاية خاصة. وبالمقارنة مع ما جرى تضمينه في الكتاب فان منزلة الأسقفية الخاصة, لا يمكن لها تقديم بعض الخدمات الخاصة بالبابا, كما لا تعني أن أعضاء اوبوس داي ليسو تحت وصاية مطرانهم المحلي.
7. الاعتراف بمؤسس اوبوس داي
تفترض شيفرة دافنشي أن الكنيسة قد أخضعت قوانينها لصالح اوبوس داي بحيث تضع مؤسسها على قائمة "الركب السريع" لمنحه رتبة القداسة.
إن منح رتبة القداسة لـ جوزيه ماريا اسكريفا عام 2002, جاء بعد 27 سنة من وفاته ( وليس 20 سنه كما يقول الكتاب). وكان هذا هو الأول الذي يتم على هذا النحو, بعد دستور قوانين المنح الذي نظم إجراءات منح القداسة عام 1983, وبذلك تحرك بشكل أسرع مما كان يعتبر نموذجيا قبل ذلك.
الأم تيريزا وضعت على طريق الاعتراف حتى أسرع من ذلك, حيث جرى تطويبها بعد وفاتها بست سنوات فقط, (اسكريفا طوب خلال 17 سنة). وحتى حسب الإجراءات القديمة فإن تطويب قديس ليزيه, تيري, تم خلال 27 ستة أي تماما مثل اسكريفا.
المصدر: مكتب المعلومات لابوس داي 2005.

نشرت في موقع "الإمبراطور"

رسائل الماركيز دو ساد












"من أعماق ضريحها.. أسمع أمّي تناديني"

تقديم وترجمة: تمام تلاوي

مقدمة المترجم

لم تكن حياة الماركيز دو ساد أوفر حظاً من كتاباته، فكما عانت كتاباته من المصادرة والمنع والحرائق، عانت حياته من المصادرة والمنع والحرائق كذلك. ثمانية وعشرون عاماً من عمره قضاها الماركيز دو ساد خلف القضبان على مرحلتين. دامت المرحلة الأولى ثمانية عشر عاماً بين (1772ـ 1790) بعدما استعملت والدة زوجته السيدة دو مونترييل نفوذها وعلاقاتها وحيلها لزجه في سجن لم يبرحه حتى قيام الثورة الفرنسية، وخصوصاً في السنوات الثلاث عشرة الأخيرة منها، فيما تراوحت السنوات الخمس الأولى (1772 ـ 1777) بين السجن والإقامة الجبرية والأحكام الغيابية والهرب. أما المرحلة الثانية فقد مثلت الأعوام العشر الأخيرة من حياته بين 1804 ـ 1814 في مصحّ عقلي في شانتينون بعد أن أدين بالجنون وبكونه يشكل خطورة على المجتمع. وبالمقابل لم تكن حياة الماركيز دي ساد أقل جنوناً وحرية وخرقاً للمحظور من كتاباته. فقد خاض دو ساد، الذي ولد في 2 حزيران 1740 في قصر كوند بباريس، حياة شديدة التمرد ظهرت بوادرها منذ الطفولة عندما أعدّته أمه ليكون رفيق الأمير الصغير في كوند الذي يكبره بأربع سنوات لأجل حسابات خاصة تتعلق بطموحها للحصول على لقب الأميرة، فلم يكن من دو ساد سوى الاستخفاف بهذا الأمير وإهانته لينتهي الأمر بمشاجرة أدت إلى إرسال دو ساد ليعيش مع أقرباء له في بروفينس. إن الرسالتين اللتين أضعهما الآن بين يدي القارئ تمثلان جانباً آخر من جوانب شخصية الماركيز دو ساد بالغة التعقيد والعبقرية في آن، وهما تشيان ببعض مشاعره ومعاناته وأفكاره التي مرّ بها خلف القضبان في بداية سجنه الطويل عام 1777. ولعل أكثر ما يلفت النظر في رسائله بروز الهشاشة الإنسانية ومشاعر الأسى والإحساس العميق بالظلم، كما تبرز عاطفته الأبوية والإحساس بالذنب تجاه أبنائه، وغيرها من الاحتراقات التي عاناها في تلك المرحلة، والتي ربما يستغربها من لا يعرفه بشكل وثيق، خصوصاً وأن التصور المأخوذ عنه ككاتب جنسي خليع في الكتابة والحياة، وكشخص عديم الأخلاق، يناقض صورته الحقيقية كإنسان له مشاعره وأفكاره وأحزانه أيضاً.إن الدراسة الوثيقة لتاريخ هذا الشخص تظهر أنه كان شخصاً مهتماً بالفن والإبداع والفكر أولاً وقبل كل شيء. فناهيك عن رواياته الإباحية العظيمة، كتب دو ساد كثيراً في الفن والمسرح والدين والسياسة والرحلات، وأقصد بالأخيرة ما كتبه من انطباعات وأفكار حول البلدان التي كان يزورها ككتاباته حول إيطاليا مثلاً. كما أن قارئ رواياته سينتبه على الفور إلى إطلاعه الواسع، ليس على الآداب المحلية وحسب وإنما على الآداب الأخرى كالهندية والفارسية والعربية أيضاً، وسأفرد لهذا بحثاً مستقلاً لا مجال لخوضه الآن.تربّى ساد في كنف عمه، الأب دو ساد، في واحدة من مقاطعات آل ساد قرب سومين، في منزل ريفي ضخم مسوَّر ومجرد ومكتمل بما يشبه الزنزانة في داخله، هذا المكان الذي طالما ستعود إليه ذاكرة ساد وخيالاته عبر حياته. ثم أرسِل بعدها إلى باريس وتعلم في مدرسة لويس لو غراند وسكن على الأرجح في منزل جاك آمبلت الذي كان وصياً عليه، والذي سيلتصق لاحقاً على نحو وثيق بأسرته. خدم ساد في الأسطول الملكي فشهد معارك ضارية في حرب الأعوام السبعة وكتب رسائل إلى والده متذمراً من الحرب ومن رؤسائه ورفاقه. وبعد أن وضعت معاهدة باريس للسلام نهاية لتلك الحرب، عاد ساد إلى باريس ليستمتع بالحفلات الراقصة ومصاحبة الممثلات، فيما كان أبوه يجري مفاوضات زواج ابنه مع عائلة مونترييل الثرية لكن المتدنية كطبقة اجتماعية. في ذلك الوقت يقيم ساد علاقة مع لور دي لوريس الفتاة الارستقراطية سليلة إحدى العائلات النبيلة، لكنه يهرب إلى أفيغنون بعد أن يكتشفهما والدها في قبو منزله.تزوج ساد من رينيه بيلاج دي مونترييل التي رآها للمرة الأولى قبل حفل الزفاف بيومين فقط وعاش مع عائلتها في باريس، لكنه لم يلبث أن استأنف أنشطته الماجنة في شقته السرية في ريو موفيتارد، حتى أوقعه حظه العاثر بين يدي جين تيستارد المومس التي تشكوه صبيحة اليوم التالي إلى البوليس بدعوى أنه حادثها بمواضيع مدنسة للمقدسات، لكنها أوضحت بالمقابل أنه لم يعتد عليها جسدياً ولم يؤذها إلا بحديثه وألفاظه المنافية للحشمة والدين.في عام 1772 أدين الماركيز دو ساد غيابياً بتهمتي القتل بالسم وممارسة الشذوذ الجنسي ليعتقل بعدها في سافوي بمساعدة والدة زوجته ويسجن في حصن ميولانس، لكنه يقوم في العام التالي بمحاولة قاتلة للهرب وينجح في ذلك ثم يختبئ حول لو كوست. لقد عاصر الماركيز دو ساد إرهاصات الثورة الفرنسية وما بعدها، وكان واحداً من الكتاب الذين أثروا وتأثروا بتلك المرحلة، لكنه ابتكر بالمقابل ثورته الخاصة التي طال أمدها أكثر من أي ثورة أخرى. فحتى عهد قريب كانت كتاباته ما تزال ممنوعة في فرنسا نفسها. فهو الذي تجرأ قبل أكثر من مائتي عام على الخوض في ما لا يجرؤ على خوضه أكثر كتاب بلادنا تمرداً في عصرنا هذا، عصر أفلام البورنو والقنوات الفضائية التي تعرض الجنس وتروّج للنساء كما يروج الدعاة لعقائدهم. وإن هذا الطبع الثوري لدى ساد لم يكن ناشئاً من عقد شخصية أو شهوانية فائضة كما يعتقد البعض، وإنما من ثقافة واسعة وتجربة حياتية بالغة الثراء. ولعل كثيرين لا يعلمون أن هذا الرجل عندما لم يجد مكاناً يستطيع أن يعرض عليه مسرحياته التي كان يؤلفها ويخرجها بنفسه، قام ببناء مسرح خاص على حسابه وأشرف على بنائه شخصياً في منزله الريفي في لو كوست صيف 1766، لكنه لم يستطع استخدامه بشكل فعلي حتى شتاء وربيع عام 1771 عندما جلب ممثلين محترفين ليقوموا بأداء مسرحياته، هو الذي كان مسجوناً قبل فترة وجيزة من ذلك بسبب دين لم يستطع سداده. وهذا لا يشي بالطبع إلا بعشقه الكبير للمسرح والفن وتفانيه في سبيل ما يؤمن به. لقد جلبت له كتاباته سيولاً جارفة من الانتقادات والاعتقالات والإدانة والمطاردة القاسية له ولكتبه، حتى توسلت مرة زوجته رينيه إلى السلطات عند اعتقاله عام 1778: لا تحاكموه على كتاباته بل حاكموه على أفعاله.وكان ساد يؤمن أن كتاباته يساء فهمها تماماً بقدر ما كان يؤمن بأفكاره وفنه، من أجل هذا ربما سنلمح في الرسالة الثانية التي أعرضها تالياً حرصه على توضيح مقاصده والتنظير لما يكتب، حين يخبر زوجته أنه قد أنجز بحثين لتسهيل دراسة أعماله من قبل المهتمين والدارسين.أعتقد حقيقة أن زوجته رينيه ـ التي أنجبت منه ولدين هما لويس ماري ودوناتين كلود أرماند، وبنتا واحدة هي مادلين لور ـ كانت واحدة من بين القلائل الذين استطاعوا ملامسة أعماق هذا الكائن الغريب وفهمه ومعرفته حق المعرفة. فهذه الزوجه، التي خانها مع عشرات النسوة لا ابتداءً بخادماتها ولا انتهاءً بأختها آن بروسبير، لم تنقطع يوماً عن مساعدته والوقوف إلى جانبه في محنه ومسامحته في أي وقت يطلب فيه المغفرة عائداً من خياناته. فهي التي كانت ترسل له في سجنه الطعام والثياب والكتب، وهي التي تنقلت معه في تنقلاته من باريس إلى منزله في لوكوست ومن لوكوست إلى باريس، وهي التي ناشدت السلطات كما أسلفنا من أجل الترفق به، وهي التي استقبلته مرة عائداً إليها بخمس خادمات شابات وشاب خدموا واحدة من نزواته الكثيرة، كما جاءها مرة أخرى أيضاً إلى منزله في لوكوست بعدة شابات غادرنه جميعاً عدا كاترين تريل التي رفضت تركه بالرغم من قدوم والدها لاستعادتها، فما كان منه إلا أن أطلق النار على دو ساد دون أن يصيبه، وهي الفتاة التي سيسمّيها دو ساد فيما بعد باسم "جوستين" وسيكتب من وحيها روايته الشهيرة التي أطلق عليها نفس الاسم. وجوستين هي "المرأة القادرة على إفساد الشيطان نفسه" كما يصفها دو ساد الذي كان ينكر وجود الشيطان أصلاً كمخلوق، والذي كانت فلسفته الإلحادية هنا قائمة برأيي على مفهوم شديد البساطة والتطرف في آن: "إن كنت مولعاً بالأذى فهذا لأن الطبيعة أرادت منك أن تكون مؤذياً، وإن لم تفعل ذلك فستكون مؤذياً فعلاً"!إن الرسائل التي بين يديّ والتي كتبها في سجنه: "هذا القبر حيث يريدون أن يدفنوني حياً"، هي في معظمها من دو ساد إلى زوجته، ومن زوجته إليه، ومنه إلى والدة زوجته، ومنه إلى الآنسة دي روزيت. وهذه الأخيرة هي فتاة ذكية وخفيفة الظل كانت تعمل كمدبرة منزل، وكان دو ساد قد تعرّف إليها خلال فترة اختبائه حول لو كوست في يوليو عام 1778، وذلك عندما هرب أثناء سوقه إلى فينسيس من بين يدي فرقة البوليس بقيادة المفتش مارياس ـ عميل حماته ـ الذي له معه قصة طويلة ومثيرة جداً من الاعتقالات والهرب والتحدي المتبادل. وقد اخترت من هذه الرسائل اثنتين هما الأقدم من حيث التأريخ، لا لشيء سوى لتمثيل بعض مشاعره وقتها ولبعض الخصائص الأسلوبية والفكرية لهذا الكاتب الحر والمتناقض لدرجة الجنون، الذي يكتب كما يفكر تماماً، بنفس الحرية باختيار المفردات، وبنفس الجرأة على قول الألفاظ وعلى السخرية، وبنفس الكيفية التي يطيل بها الجمل أو يقصرها أو يستخدم الجمل الاعتراضية على هواه، فقط ليكمل البلاغة بالسحر أو السحر بالبلاغة. لقد كتب متمرداً ومحرضاً على التمرد تماماً كما عاش، هذا الذي صرخ ذات يوم من نافذة زنزانته في الباستيل، عندما كانت حشود من المتظاهرين متجمهرة بجوار السجن، مستخدماً الأنابيب ذاتها التي كانت تستعمل للتبوّل كمكبّر للصوت: أيها الناس إن السجناء يُذبَحون في الداخل.. تعالوا لإنقاذهم..

1-من الماركيز دو ساد إلى السيدة دو مونترييل (والدة زوجته) نهاية شباط 1777


من بين جميع أساليب الانتقام والوحشية التي يمكن اختيارها، اعترفي يا سيدتي، أنكِ اخترتِ بالفعل أشدها قسوة وبشاعة. تعالي إلى باريس كي تري بعينيك حسرات والدتي الأخيرة، تعالي لا لشيء سوى لرؤيتها ومعانقتها، هذا إن كانت ما تزال على قيد الحياة، وإن لم تكن كذلك فللبكاء تعالي.. تلك هي اللحظة المناسبة التي يمكنكِ اختيارها لتجعلي مني ضحيتك مرة أخرى. يا لحسرتي، لقد سألتكِ في رسالتي الأولى عما إذا كنت سأجد فيك أمي الثانية أم الطاغية؟. فلم تتركيني في حيرتي طويلاً.. أمن أجل هذا مسحتُ لكِ دموعكِ عندما فقدتِ أباً تحبينه؟ ألم تري كيف كان قلبي وقتها شاعراً بمعاناتك وكأنها معاناتي؟ تراني أتيت إلى باريس لكي أتحداك أو حاملاً بعض المكائد كي يتحتم عليكِ إبقائي بعيداً عنك!.. لقد كان هدفي الثاني بعد الاهتمام بوالدتي هو لتهدئتك فقط وللمضيّ معك قدماً ـ في لجوئي إليك ـ لكي أقبل بكل الخيارات التي تلائمك والتي قد توصين بها. وبغض النظر عن رسائلي، ألم يتوجب على آمبلت ـ الذي لا أثق به ـ أن يخبرك بذلك. لكن الصديق الخائن اتحد معك من أجل خداعي وتدميري، وكلاكما نجح بهذا تماماً. لقد أخبروني أثناء جلبي إلى هنا، أن احتجازي كان ضرورياً من أجل تنظيم عملية لجوئي. فهل كان لي، بالاستناد إلى مقاييس الوفاء بالعهود، أن أخدع بهذه الأحابيل؟ هل أنجزتِ أقل ما يمكن عمله عندما استعملتِ ذات الأحابيل في سافوي؟ وهل قدم تغييبي تلك السنة أقل تحسن؟ أليس من الواضح إذن أن ما تريدينه هو تدميري الكلي وليس إصلاحي؟ أحاول أن أصدّقك لوهلة في أن الرسالة المختومة كانت أمراً لا مناص منه لتجنيبي المزيد من الأفعال الداعية للأسف، لكن هل كان واجباً أن يكون بتلك القسوة وعلى ذلك القدر من الوحشية؟ ألم يكن كافياً إصدار أمر بنفيي من المملكة ليفي بالغرض؟ ألم أكن سأمتثل بنفس الدقة الصارمة عندما أتيتُ طواعية ووضعتُ نفسي بين يديكِ مخضعاً نفسي لجميع متطلباتك؟ كنتُ قد كتبتُ إليكِ من بوردو أن ترسلي لي بعض النقود لكي أتمكن من السفر إلى إسبانيا، فرفضتِ إعطائي أي شيء. لقد كان هذا دليلاً قاطعاً على أن إبعادي ليس هو ما تريدينه وإنما سجني.. وكلما استرجعتُ تلك الأحداث ازددتُ قناعة أنه لم يكن لك نيّة أخرى....لكنني مخطئ يا سيدتي،فقد أخبرني آمبلت بشيء آخر، وهو ما آمل أن يحدث. لقد أخبرني يا سيدتي أن شهادة وفاتي هي الوثيقة الأكثر ملاءمة بالنسبة لك والتي لا مفر منها للتعجيل بوضع نهاية لهذه المسألة المشؤومة. نعم يجب أن تمتليكها يا سيدتي، وأقسم لك أنك ستمتلكينها قبل أن يمر وقت طويل.وباعتباري لن أطيل عمر رسائلي بسبب المصاعب في كتابتها، وعدم نفعها معك، فإن هذه الرسالة ستتضمن أفكاري النهائية، وكوني واثقة من ذلك. إن حالتي المروّعة هذه، كما تعلمين، لا يمكن لها بحال من الأحوال أن تمكنني من احتمال البقاء ـ لا جسدياً ولا عقلياً ـ في سجن موصد. وكما تعلمين أيضاً أنني، في سجن أكثر رفاهية من هذا، خاطرت بحياتي من أجل الهرب. وكوني محروماً هنا من خيار كهذا فلم يبقَ لي سوى أن أقوم بأمر واحد، وهو بلا شك الأمر الذي لا يمكن لأحد حرماني منه.. من أعماق ضريحها أسمع أمي العاثرة الحظ تناديني.. لكأنني أراها فاتحة لي ذراعيها مرة أخرى لأدخل ثانية في الملاذ الوحيد المتبقي لي، فإن ما يجلب لي الراحة هو أن أتبعها قريباً. وإنني أسألك معروفاً أخيراً يا سيدتي هو أن تدفنوني إلى جانبها.لكن أمراً واحداً فقط يثنيني عن ذلك، إنها نقطة ضعفي، والأمر الذي لا بد لي من الاعتراف لك به: إنني لطالما أردت رؤية أطفالي. لقد كنت أعددت نفسي لسعادة غامرة بعناقهم، وذلك بعد التقائي بك. وإن محنتي الجديدة لم تستطع أبداً أن تمحو هذه الأمنية التي يبدو أنني سأحملها معي إلى قبري.. أوصيكِ بهم يا سيدتي.. أحبّيهم ولو كرهتِ والدَهم، واهتمي بتعليمهم فذلك سيحفظهم في إهمالي لهم ـ إن صح ذلك ـ الذي نجم عن محنتي.لو كانوا يعلمون بمصيري المحزن، لرمتْ بهم قلوبهم الوديعة كأمّهم على ركبتيك، ولارتفعتْ حتماً أيديهم البريئة نحوكِ لاستجدائك. إن حبّي لهم هو ما يبعث فيّ هذه الصورة المأسوية التي لن تجدي نفعاً، ولذا فإنني سرعان ما أقوم بمحوها من مخيلتي لما تسببه لي من الألم الرهيب، في وقت كل ما أحتاجه فيه هو الثبات.وداعاً يا سيدتي..

2-من دو ساد إلى زوجته تموز 1777

لا أشكّ أبداً أن أمّكِ الآن تقوم مرة أخرى بارتكاب غدر حقير بي، عن طريق القاضي الذي استخدمته ليقنعني أن حريتي لن تجيء إلا من إذعاني الكامل للنزوات الهدامة تلك التي تعرفينها جيداً. لا أدري ما هو ذلك الانتصار الذي تجنيه بواسطة التهديدات والإجبار. إن ما أمكنها أن تحصل عليه بتلك الطريقة، كان لي أن أرى إعطاءها إياه واجباً عليّ لو أن ذلك تم بإرادتي المطلقة، بالطريقة ذاتها التي أخذتْ بها من قبل إقراري بالجميل!إن امرأة تملك كل هذا الذكاء ـ كما يقول الأب دو ساد ـ لا تدرك حقيقة أن أي توقيع يؤخذ في السجن لا يستحق قيمة الورق المكتوب عليه، وبالتالي فإن التراجع عن العقد الذي يعقده المرء شريطة تحريره من السجن لن يكون في النهاية إلا مخيباً لآمال أولئك الميالين إلى الإساءة بقدر ما هم متطلبون لها، ولن يجنوا في النهاية سوى الخزي. كم كان من الأفضل لها أن يتم التراضي بلا شروط، لقد كانت بذلك ستدفعني على فعل كل شيء دون إكراه. لكن هذا يتضمن لياقة السلوك والحساسية، الأمرين اللذين لم تزوَّد بالمقدره على فهمهما: إن هاتين الكلمتين غير موجدتين في قاموسها.على كل حال فما دام قد حصل ما حصل، فإن الاحترام الذي أكنّه للمفاوض الذي أساءت استخدامه سيجعلني أفعل ما بوسعي، لكن من المحتمل جداً أن ذلك الذي بوسعي فعله ليس كل ذلك الذي تتطلبه، وربما تجهلين تماماً بعض ما قد فعلته في هذا الشأن. عليك يا سيدتي أن تكوني على قناعة بأني لن أكون ذلك الأبله الذي يخدع بمثل هذه الحيل الساذجة والمثيرة للسخرية وبمثل هذه الأكاذيب والخدع التي اعتدتم استخدامها ضدي، لن تخدعوني لا أنتِ ولا أحد من أقاربك أو من حلفائهم الفاتنين.لقد أنجزتُ مؤخرا كتابة نشرتين من أجل تسهيل البحوث الثقافية للدارسين والنقاد والناشرين لكتاباتي، وبذلك سيكونون قادرين على الالتقاط والاختيار.لا شيء باستطاعته أن يصف لك معاناتي بعدما أُحبِط أملي اليقينيّ بمغادرة هذا المكان في أواخر حزيران، لا شك أن مكوثي هنا قد طال بما يكفي.. يا إلهي الرحيم، ما الذي يُدبّر الآن لي؟ هل يريدون بسلوكهم البغيض أن يدفنوني هنا طيلة حياتي؟ اسمعيني الآن للمرة الأخيرة، وإذا لم تجيبيني على هذه المسألة فإني أقسم لك أنك لن تسمعي مني كلمة أخرى على الإطلاق، وعندما سأغادر هذا المكان فإني سأهجرك إلى الأبد. أجيبيني بوضوح: الرقم ثلاثة المكتوب على غير العادة بحبر خفي في رسالتك الثالثة المؤرخة في 23 أيار، هل كان يشير إلى شيء ما؟ نعم أم لا؟ إن كان يشير إلى شيء فأخبريني في نهاية رسالتك القادمة بالحبر الخفي فأنا كما تعلمين شريكك الذكي، وإن كانت لا تعني شيئا فقولي إنني مجنون. إن لديك طريقة ملغزة، وملائمة تماماً لشخصيتك، التي سترشدني الى ما أتساءل حوله، والتي بالتأكيد لن تعرضك للشبهة في أي حال من الأحوال. كوني مطمئنة أنك لو أخبرتني فلن أتنفس بكلمة من ذلك، ولن أكون الشخص الذي يفسد الأمور ويعرضك للخطر.وداعاً الآن، أرجو أن تطمئنيني حول ما سألتك عنه، لقد أصبحت بحاجة ماسة إلى ذلك بعد ما أعانيه هنا هذه الأيام. ولا تحاولي أن تقولي لي أنك لم تستلمي هذه الرسالة لأني أعلم أنها تصلك جميعها، وإن قلت ذلك فلأنك لا تريدين أن تجيبي على ما تحتويه. وعلاوة على هذا فإني أكتب هذا بشكل شديد البلاهة بالأسود والأبيض وبالتالي فسوف تصلك بالتأكيد.إذا أجبت طلبي فسأكون ممتناً لك يا حبّي الأعز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستقبل -ملحق نوافذ- الاحد 1 تشرين الأول 2006