عشرة سيناريوهات مذهلة لانتحار الأدباء

تمام تلاوي


"كل هؤلاء الناس.. لم أكن أعتقد أن الموت قد أغوى كل هؤلاء الناس"
ت. س. إليوت.. الأرض الخراب



حتى في موتهم مارس المبدعون إبداعهم, لم يرضهم أن يكون موتهم أقل إثارة من حياتهم, حتى في تلك اللحظة, حين تصل المشاعر الإنسانية إلى درجة الصفر, وحين لا تستطيع غريزة الحياة بما تحمله من شهواتها أن تتغلب على إغواء الموت. ربما يعتبر الرصاص أو السم وحتى السيوف, من الوسائل التقليدية لقتل النفس, لكن هؤلاء الكتاب المبدعون لم يرتضوا استعمالها دون نسج ذلك السيناريو المدهش للطرق التي وضعوا بها حداً لحياتهم. البعض اخترع وسائل لم تخطر على البال قط, كالقفز في بركان مثلاً, لكن الآخرين الذين لم تتوفر لهم سوى الوسائل التقليدية أرادوا أن يستخدموها بطرق غير تقليدية. ها هو "غاري لاتشمان", الكاتب المتفرغ وأحد الأعضاء المؤسسين لجماعة "روك غروب بلوندي", يفصل لنا عشرة من وسائل الموت المذهلة هذه, التي سنسردها هنا باختصار عن كتابه الجديد "رسائل الموتى" الصادر مؤخرا عن دار "ديدالوس" في شباط المنصرم (2008).



1- إيمبيدوكلس: القفز في بركان
تقول الأسطورة أن إيمبيدوكلس, أحد أقدم الفلاسفة الإغريق, قتل نفسه عن طريق القفز في بركان إم تي إتنا في صقلية دون علم أحد. وكانت فكرته أن هذه البركان سيطمس جثته ليظن الناس أنه قد تحول إلى إله خالد وأنه قد صعد إلى السماء. مع هذا تم اكتشاف هذه الأحبولة, إذ لم يتمكن بركان إتنا من مجاراته في خطته بسبب صندله الذهبي.

2- توماس تشاتيرتون: الدواء الذي صار سمّاً
"الفتى الخارق".. هكذا دعاه وردزورث, انتحر في السابعة عشرة من عمره بعد هزيمته في معركته ضد اللامبالاة التي واجهها في مدينة لندن ذات الطابع المحافظ, إذ كان يأمل في قهرها بعد تركه لمدينه بريستول ذات الصبغة القروية التجارية. فقد تم تجاهله أو رفضه من قبل أولئك الذين كان عليهم أن يقدروا موهبته. وتُرِك تشاتيرتون ليتضور جوعا في عليته القديمة, متعففا عن استجداء أو حتى قبول المساعدة عندما كانت تقدم له. لقد كافح ببسالة وجرأة, وهو يكتب قصائده ومقالاته وقصصه, وكان لا يرسلها إلا للمحررين, لتضيع تالياً في زحمة الكتابات التجارية وفي فيض مطبوعات شارع "جراب" اللندني الذي يعج بالكتاب والكتابات الضعيفة التجارية, وأحيانا, وهذا أسوأ, لتنشر بلا أجر مقابل. أخيراً, لم يعد قدره محتملاً, وقرر وضع نهاية لكل هذا. مزق أشعاره الأخيرة نتفاً نتفاً وهو في خضم سكرات موته, مستسلماً للزرنيخ الذي تناوله في ذلك الليل الرهيب للثالث والعشرين من شهر آب عام 1770 في شارع بروك في هالبورن. مع ذلك كان ثمة احتمال أن يكون موته نتيجة لجرعة عرضية زائدة من الزرنيخ الذي كان يتناوله لعلاج حالة السفلس.

3- هينيريش فون كلايست: رصاصة له وأخرى لعشيقته
في الحادي والعشرين من نوفمبر لعام 1811, وفي هضبة عشبية تطل على بحيرة "وانسي" على مشارف برلين, قام الروائي والكاتب المسرحي هينيريش فون كلايست بزرع رصاصة في قلب رفيقته هينريتي فوغل, المرأة ذات الحادي والثلاثين عاما والحاملة لسرطان غير قابل للعلاج, ثم وضع ماسورة المسدس في فمه وأطلق النار.

4- جيرارد دو نيرفال: الشنق برباط جورب الملكة
كان دو نيرفال تلميذا في علم البواطن والسحر, كما اشتهر بقدرته على توجيه السرطان البحري للسير عبر بالاس رويال في باريس. وبعد إقامته مرتين في مصح عقلي وبعد عدة نوبات من الجنون لحقت به, قام أخيراً بشنق نفسه برباط قماشي قذر كان يحمله معه منذ سنوات, وكان يؤكد لأصدقائه دائماً أن هذا الرباط هو رباط جوارب ملكة "شيبا".


5- جاك لندن: جرعة مفرطة من المورفين
بالإضافة لإدمانه على المورفين والأفيون, كان "لندن" سكيرا ذائع الصيت, وكان واحدا من أوائل الكتاب الكبار الذين يجاهرون على الملأ بكحوليتهم المفرطة. وبالنظر إلى ولعه في الإسراف بالشراب, فإنه من السهل تقدير رغبته اللاواعية في الموت, أو الرغبة في اجتياز الحدود لرغباته النفسية. لندن سمح لنفسه مرة في إحدى الحفلات بالشرب وتعاطي المورفين حتى وافاه الموت. في مناسبة سابقة عندما تواجد صدفة على خليج سان فرانسيسكو قال عنها: "لقد اجتاحتني فجأة رغبة عارمة بإسلام نفسي للمد البحري", وفعلا حصل هذا, وانجرف "لندن" لساعات هناك بنية أن يدع نفسه يغرق, لكنه صحا في النهاية, وقام صياد سمك بإنقاذه.

6- فرجينيا وولف: الغرق
يعتبر هجرانها لليونارد وولف واحدا من أصعب حالات الوداع المحمطة للقلوب: "لقد وهبتَني أعظم سعادة يمكن أن يحصل عليها المرء" كما أخبرته مرة, "لقد كنتَ كل ما يمكن أن يكونه أحدهم في شتى حالاته, لم أعتقد أنه بإمكان اثنين أن يكونا أكثر سعادة مما كنا عليه, حتى جاء هذا الداء الرهيب...". في الثامن والعشرين من آذار 1941, وبعد أن ملأت جيوبها بالحصى, قامت فرجينيا وولف بالسير باتجاه نهر أوز القريب من مسكنها –دير الرهبان- الواقع في قرية رودميل في سوسكس, ثم ألقت بنفسها في النهر.

7- ايرنست هيمنغواي: الرصاص والكهرباء
كان هيمنغواي كاتبا مولعا بالسؤال حول لغز الانتحار, هذا السؤال الذي حصل على إجابته في آخر الأمر عن طريق تفجير دماغه برصاصة في الرأس. على الرغم من الاعتقاد أن الصدمة الكهربائية العلاجية التي خضع لها أثناء جلسات علاجه من مرض الاكتئاب تاركة ذاكرته وقدرته على الكتابة في حالة عجز, كانت السبب الوجيه الذي دفعه في النهاية من تلك الحافة.



8- سيلفيا بلاث: فرن الغاز
في ليلة الأحد الحادي عشر من شهر شباط 1963, وبعد أن تركت بلاث لأطفالها أكواب الحليب وقطع الخبز الخاصة بفطورهم بالرغم من كونهم صغار جداً على أن يتناولوه بمفردهم, قامت سيلفيا بفتح نافذة غرفتهم في شقتها الواقعة في 23 طريق فيتزوري, في منطقة بريمروز هيل شمال لندن. ثم أغلقت على نفسها باب المطبخ وحشت الفراغ تحت الباب بقطع قماشية وأشرطة لاصقة, بعد أن تركت ملاحظة في عربة أطفالها ليتصلوا بطبيبها, مكتوبة على غطاء الوسادة. فتحت بلاث صمام الغاز وأدخلت رأسها عميقا داخل الفرن.

9- آن سكستون: الاشتعال بالبنزين
مطلقة, تعيش وحيدة, مغتربة عن أصدقائها وعائلتها, ومجردة من كل شيء عدا مأساتها, فيما وضع إدمانها على الكحول نهاية لبريق إبداعها. إذن لم يكن انتحارها أمرا غير متوقع, لكنه كان في الواقع مفاجئاً. لم يكن ثمة أي رسالة متروكة, ولا ملاحظة. بعد غداءها الأخير مع صديقها الذي رافقها في الماضي طويلا, ماكسين كومين, حيث بدت طبيعية تماما, على الأقل بالنسبة لها, صعدت آن إلى سيارتها في الكراج وابتدأت بالاشتعال, فيما كانت موسيقى الراديو تواصل دويها. "هذا هو السلوك المنسجم مع الأشخاص الوحيدين والكحوليين فاقدي الأمل.." هكذا كتبت معالجتها النفسية إيريكا جونغ في صحيفة النيويورك تايمز في مقال يثني على آن سكستون ويذكر مآثرها, وكتبت أيضا: "لقد قتلت آن سكستون نفسها لأنه من المؤلم جدا العيش في هذا العالم بدون الإحساس بالخدر, إنها لم تعد قادرة على الإحساس بالخدر على الإطلاق".

10- يوكو ميشيما: هارا-كيري
في الخامس والعشرين من تشرين الثاني 1970 وأمام حشد من المشاهدين المأسورين بما يحصل, قام ميشيما بتأدية الهارا-كيري. فيما كانت ماساكاتسو موريتا –عشيقته وتلميذته- تحاول بدورها الهارا-كيري, وبعد عدة محاولات, فشلت في قطع رأس ميشيما كما اقتضت الخطة, تاركة جزءاً من الطقس دون إتمامه, وهو الجزء المسمى كيشاكونين, والهادف إلى التخليص من نزعات الموت المرافقة لعملية نزع الأحشاء من البطن. لكنهما تلقيا معا اللمسات الأخيرة للعملية بيديّ وسيف شخص ثالث يمثل عضوا في جماعة تاتينوكاي التابعة لميشيما (جماعة الدرع), وهي نوع من الجيوش الخاصة التي أمل ميشيما من خلالها أن تكون نموذجا إحيائياً لجناح اليمين الياباني, مستعيداً الأمجاد القديمة للساموراي.



ــــــــــــــــــــ
تمام التلاوي - جريدة بلدنا السورية

ليست هناك تعليقات: