صناعة السينما في السعودية: حلم بجلب هوليود إلى جدة


حتى عهد قريب كانت صناعة السينما في السعودية ما تزال مسألة شبه محظورة من الناحية الاجتماعية, وكانت متابعة الأفلام السينمائية مقتصرة على ما يصل إلى محلات بيع أشرطة الفيديو من أفلام عربية وغربية, أما صالات العرض فما زالت حتى اليوم غير موجودة. لكن الانفتاح الإعلامي والمعلوماتي الذي فرضته في السنوات الأخيرة أدوات الاتصال الجديدة عبر الفضاء التلفزيوني والاتصال الشبكي أدى بطبيعة الحال إلى انقلاب جذري في النظرة الاجتماعية لكثير من المفاهيم ولا سيما لدى الأجيال الجديدة من السعوديين. الأمر الذي انعكس بدوره على السينما وفن صناعة الأفلام الذي بدأ في السعودية منذ سنوات قليلة على يدي هيفاء منصور, أول صانعي الأفلام السعوديين, والتي قامت بإنتاج فلم قصير من سبع دقائق بعنوان (الذي).
هكذا بدأت حمى هذه الصناعة بالانتشار على أيدي مجموعة من الشباب السعوديين المغامرين الذين ساروا خلف مخيلاتهم ومواهبهم لإنتاج أفلام كانت تكاليفها المادية غالبا على حسابهم الشخصي, وهي في مجملها جهود فردية ومشتتة لا تستظل بأي مؤسسة أو هيئة جامعة تدعم هذه التجارب هناك.
هذا الصيف كان شاهدا على ولادة ثلاثة أفلام جديدة أنتجت وأخرجت ومثلت في السعودية وهي (تشبث به) و(السعوديون في أمريكا) و(القرية المنسية). كما أقيم مهرجان السينما في جدة في منتصف يوليو.
بالنسبة لفيلم (تشبث به) الذي تم عرضه في جدة هذا الصيف, فإن إيجاد ميزانية للعمل لم يشكل عائقا أمام هذا الفيلم القصير لمخرجه محمد أنغي مكي ذي التسعة عشر عاما من العمر, الطالب في كلية إدارة الأعمال بجامعة الملك عبد العزيز. قال مكي إنه على الرغم من أن السعودية لا تدعم صناعة الأفلام, فإن الناس ما زالوا يطاردون أحلامهم عبر التشجيع المتبادل فيما بينهم, وإن باستطاعة فريق العمل لو وجد الدعم اللازم أن يجلب هوليود إلى جدة.
وقد بين أنه فكر بشكل أساسي بصناعة الفيلم وناقش الفكرة مع أصدقائه, الذين شاركوه في كتابة مخطوط الفيلم والتعديلات, واعتمدوا على أنفسهم وعلى الأدوات المتوفرة لديهم ليحولوا حلمهم إلى حقيقة. وقد واصلوا جمع الأفكار والإيمان بها حتى جاء الوقت ليحولوا أفكارهم إلى عمل إبداعي.
الفيلم باللغة الانجليزية وهو يتحدث عن أربعة أصدقاء, لكل واحد منهم حلم ليصبح شيئا مختلفا, وهي على التوالي, رجل أعمال, ولاعب كرة سلة, ونجم روك, ومغني راب. ويظل كل واحد منهم متشبثا بحلمه على الرغم مما يمرون به من ظروف.
تم إكمال فيلم (تشبث به) خلال شهرين. وقد عانوا من بعض الصعوبات في الصوت نظرا لضعف ميزانية الفيلم, لكنهم تجاوزوا هذه المسألة بكتابة الحوار أسفل الشاشة بالانجليزية. كما استأجروا ميكروفونا كان يكلفهم ثلاثين ريالا سعوديا في اليوم, واستخدموا كاميرا فيديو مستعملة منحت لهم. وتعرضوا مرة لإساءة المعاملة أثناء التصوير أمام منزل أحد الأشخاص, لكنهم تغلبوا على هذا بإيجاد مكان آخر.
يقول مكي: كان الناس ينظرون إلينا دون أن يبدو عليهم الاهتمام بالأمر وكأنهم متعودون على هذا, وهذه مسألة جيدة. وعندما يكون لدى أحدنا امتحانا أو اجتماعا عائليا فقد كنا نرجئ التصوير, وهذا ما جعل الفيلم يستغرق شهرين لإنهائه.
أما فيلم (القرية المنسية) لمخرجه عبد الله أبو طالب فهو مشروع يمثل شكلا جديدا في الأفلام السعودية المنتجة, إنه فلم رعب. ويقول أبو طالب عن هذا الفيلم: منذ أن كنا صغارا, ونحن نشاهد أفلام رعب رائعة باللغة الانجليزية قادمة إلينا من الغرب. الآن جاء دورنا لنفعل ذات الشيء. لم يكن في البداية مقبولا جدا لفلم رعب أن يكون باللغة العربية. ولذا ومن أجل كسر الحواجز بين الثقافات, فقد قمنا بتضمين ممثلين أجانب من فرنسا وكندا.
وقد بين أن الفيلم هو فيلم سعودي بفكرة جديدة ترتكز على رواية لطارق الدخيل. وقال إن القصة تتحدث عن مجموعتين من الأشخاص, الأولى يشكلها سعوديون, والثانية أجانب, حيث تتيه كلتا المجموعتين في الصحراء. تلتقي المجموعتان لاحقا في قرية منسية ومتصحرة, حيث تصبح معتقدات الأشخاص الغيبية وخرافاتهم الموروثة هي موضوع هذا الفلم الذي يمتد لساعة وأربعين دقيقة.
هذا الفيلم الذي اكتمل بعد عشرة أشهر من العمل, كلف ثلاثة ملايين ونصف مليون ريال سعودي, وقد تم تمويله من شركة ميديا آرت, وتم تصويره في خليص, وهي مدينة واقعة في غرب المملكة السعودية.
وبحسب المخرج, فقد تم اختيار خليص بدقة وحرص ذلك لأن لها ملامح الماضي. ويقول إن الوقت قد انقضى في تجهيز المنطقة لجعلها سهلة لتصوير فيلم هناك. وإن المكان ناء ومنعزل وتعوزه التسهيلات, الأمر الذي كان يجبرنا على الذهاب والعودة كل عدة أيام إلى مدينة مجاورة. وبالطبع فإن تصوير مشاهد مخيفة كان أمرا ناجحا لأن المكان مرعب أصلا والخوف كان يأتي بشكل طبيعي وعفوي. هذا ما قاله المخرج مازحا. طاقم الممثلين كان أيضا مثيرا للإهتمام, فقد تم تلقي حوالي 88 طلبا للتمثيل في الفلم, وأغلب المتقدمين كانوا قد شاركوا سابقا في تمثيل الإعلانات أو في عرض مسرحي أو درامي. الفيلم سيظهر قريبا على عدة قنوات تلفزيونية كما سيباع في الأسواق. وقد تم تقديم عرضه الأول في القاهرة في الواحد والعشرين من آب الفائت.
فيلم (السعوديون في أمريكا) هو فيلم وثائقي للمخرج فهمي فرحات (25 سنة) ويبلغ طوله ساعة كاملة. تم تمويل هذا الوثائقي من قبل زهرة للتصوير, وقد كلف عشرة آلاف ريال سعودي.
يقول فرحات عن الفيلم إن الغرباء دائما ما يسألون السعوديين عن أرائهم في أحداث الحادي عشر من سبتمبر, وعن الإسلام, وعن تقاليدهم وثقافتهم. ولهذا فقد فكرت في تقديم شيء ما يوضح لهم بعض الأشياء.
منتج الفيلم أحمد زهرة نصحه بأن يدع الطلاب يعبروا عن مشاعرهم, الأمر الذي يجعل الرسالة نفاذة إلى القلوب ومقنعة في آن. وهكذا ابتدأ المشروع واستغرق منه سنتين كاملتين لإنهائه. يقول فرحات إن أوقاتا طويلة لم يكن يرى خلالها الشمس بسبب مكوثه لإجراء التعديلات والعمل على المشاهد.
القليل فقط من السعوديين وخصوصا النساء, أرادوا أن يساهموا في هذا الفيلم الوثائقي, لكن المنتج واجه بالمقابل الكثير من الأشخاص الذين لم يرغبوا في ذلك, إنما لم يكن محبطا من هؤلاء الذين رفضوا, وقال أنه يتفهم حقيقة أن الناس غير متعودين على التعبير عن أنفسهم. وقال أنهم يفضلون أن يحتفظوا بكل شيء في دواخلهم, لكن شيئا ما تم فتحه الآن. وبالإضافة إلى ابتهاجه بإنتاج الفيلم فقد بين زهرة أنه كان يعاني من رهاب (فوبيا) الركوب في الطائرات, ولكنه بعد تصوير هذا الفيلم في طائرة بمحرك واحد, فإنه قد تجاوز الأمر ولم يعد مخيفا بالنسبة له.
فرحات هو واحد من السعوديين الكثيرين الذين اهتموا بالسينما منذ الطفولة لكنه كان خائفا من المضي قدما في حلمه بسبب الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى السينما. لكن والده آمن بمقدراته ونصحه بمتابعة الحلم. والآن بعد أن أتم دراسة السينما وأخرج عدة أفلام وثائقية, فإنه يريد العودة إلى السعودية للعمل في شركات للإعلان وتأسيس صناعة الأفلام.
يقول فرحات: من المبكر جدا بالنسبة لي أن أفتتح شركتي الخاصة. هناك نزوع عام الآن إلى ذلك لكن الأمر لن يكون مفيدا بكثرة المتنافسين, علينا أن نعمل مع بعضنا لنصبح أفضل. كما نوه إلى أن بعض الأفلام السعودية الحالية لم تنجح بسبب اعتمادها بكثرة على الوجوه الجديدة. ولو أنهم استخدموا نجوما سعوديين مثل ناصر القصبي وعبدالله السدحان لكانوا نجحوا.
ويقول فرحات إنه أراد أن يشارك في مهرجان السينما في جدة في منتصف يوليو, لكنه لم يسمع بالأمر إلا بعد فوات الأوان. سيكون العرض الأول لفيلم (السعوديون في أمريكا) في مؤسسة السينما الأمريكية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ


ترجمة: تمام التلاوي عن Arab News - نشرت في جريدة أوان الكويتية


ليست هناك تعليقات: